المجتبى ولد الشيخ سيدي ابراهيم القلاوي .رحمه الله

ترجمة العابد الزاهد الإمام: المجتبى ولد الشيخ سيدي إبراهيم [ عُبيد ربه ] هو المجتبى ولد الشيخ سيدي إبراهيم ولد سيدي ولد سيدي بكر الملقب ( عن‍ڭر ) بكاف معقودة ، ولد سيدي محمد ، ولد سيدي إبراهيم الصوفي ، ولد نختيرو ، ولد الطالب أحمد جدو ، ولد الطالب المصطف القلاوي البكري. ووالده هو العابد الزاهد صاحب المقامات والسلوك: الشيخ سيدي إبراهيم ولد سيدي ، أحد طلاب ومريدي الشيخ محمد المجتبى البوصادي ، الذي أحبه وسمى عليه ولده المجتبى ، وهو إسم لم يكن معروفا في العائلة ( أهل سيدي إبراهيم ) ، وقد كان الوالد رحمه الله يلقب نفسه بعبيد ربه , تقربا إلى الله تعالى ، وتيامنا ببلوغ درجة العبودية لله تعالى ، التي هي من أعظم وأسمى مقامات السلوك. ووالدته هي العابدة الزاهدة سليلة أرومة المجد ودوحة الشرف: زينب بنت الطالب محمد من أولاد بسبع عرفت بتقواها وورعها ، وتحرزها من الشبهات ، وكثرة سؤالها عن إمور دينها ، مع الإحتياط لذلك ، فلم تكن تستفتي إلا من ثبت عندها علمه وورعه ، فأكسبت إبنها ووحيدها المجتبى تلك الصفات والخصال الحميدة التي أهلته فيما بعد أن يتبوأ الصدارة في مقامات السلوك ، وفي مدارج السالكين طريقَ العبادة والزهد والقناعة بالكفاف. ولد المجتبى ولد الشيخ سيدي إبراهيم في منطقة أفله , حوالي سنة: 1939م عام تا‍ڭاوت ( بكاف معقودة ) ، كما يسمونه ويؤرخون به محليا ، فعاش أول حياته في مضارب قومه في ( حلة أهل الطالب جدو ) حيث القيادة العامة لأقلال ارقيبه وأفله آن ذاك ، بين أخواله أهل الطالب محمد وأهل البشير , الذين عرفوا بالعلم والكرم والشجاعة ، مع الورع والحرص على الكسب الحلال. ثم بعد ذلك انتقل إلى مضارب أهالينا أهل بومالك ، المرابطين على ثغور قلاع العز والشموخ ، ورمز المجد والرسوخ: ( قصر السلام وبلاعة وأجار الحاج ألمين ) ، فلقي منهم أجمل الترحيب والإكرام , وحظي هناك بكل إحترام وتقدير , ولاغرو فهي خصال جبلية في القوم مركوزة في طباعهم وسجاياهم إلى اليوم. وكان من أوائل الساكنة المحلية الذين أسسوا ما عرف بعد بحاسي الطين ، قبل أن تلتقى التجمعات الثلاثة: ( أهل ألاڭ ، وأهل بلاعه ، وأهل إطرح ) على صعيد ازويره التي ستكون فيما بعد هي عاصمة بلدية حاسي الطين الآن ، فكان الوالد من ضمن تجمع أهل ألاڭ ، فشاركهم في زراعة النخيل وإنشاء السدود ( لقليڭات ). أخذ الوالد حظا من التعليم المحضري لا بأس به في بداية حياته ، كما هي عادة العديد من لِداته وأترابه في ذلك العصر ، تجلى في تربيته وسلوكه , فتربى على معاني الفتوة وخصال الشهامة والمروءة ، ليتوج ذلك لاحقا بحياة طابعها الأساسي العبادة والإنقطاع لها بشكل لافت ، فكان قلبه معلقا بالمساجد ، وهي بشارة له ، كما جاء في الحديث الصحيح ، وكان محبا للطهارة مداوما عليها ، لا تفارقه مطهرته وسبحته في أي وقت من ليل أو نهار. تأثر الوالد بسلوك والده الشيخ سيدي إبراهيم إلى حد كبير ، وذلك في زهده وعبادته الدؤوبة , ومراعاته لوقت الصلاة ، فكانت قرة عينه الصلاة ، مداوما على رعاية ، دخول وقتها ، لا يقر له حال ولا يهدأ له بال حتى يصليها في أول الوقت ، مالم يكن منتظرا للجماعة الذين كان يؤمهم في مسجد القرية ، الذي تحول فيما بعد إلى جامع تصلى فيه الجمعة ، وكأن لسان حاله قوله صلى الله عليه وسلم: ( أرحنا بها يا بلال ). وكان لا يكاد يخطئ في تقدير دخول الوقت ، كأنه ملهم به ، وهي منحة إلهية حبى الله بها والده الشيخ سيدي إبراهيم الذي كان يقسم ـ لمن يعتب عليه بالإإسراع في الوقت ـ أنه يسمع انسلاخ الوقت من الوقت ، والله يعطي فضله من يشاء. تميزت حياة الوالد رحمه الله تعالى بالزهد في الدنيا والتقلل منها ، والتورع عن الشبهات ، والتكسب بيده لقوته وقوت عياله ، إضافة إلى السخاء وحب المساكين والإحسان إليهم على قدر طاقته ، تجود يده بما تجده ، وكان محبا للناس وخاصة أهل الصلاح منهم ، آخذا طريق الإحتياط لدينه ، ميالا لفقه الدليل ، كثير المطالعة ، فقيها في أمور دينه وفقه عبادته ، حسن الَّيل ، صوام في الهواجر، نهاره بين قراءة وعبادة: دائم التفكر ، لسانه رطبا من ذكر الله تعالى ، متبتلا خاشعا ، يؤثر الصمت ولا يتكلم إلا لحاجة ، تاركا القال والقيل ملازما لمحرابه ، معرضا عن الكلام في أعراض الناس ، سالكا طريق السلامة منهم ، لا يتكلم في أحد ، مهاجرا ما حرم الله ، مجتنبا محارم اللحسان ، غاضا لبصره ، راغبا فيما عند الله تعالى. وضع الله له القبول بين الناس ، فلا يذكر بحضرة أحد الإل أثنى عليه ( وخيرت ) ولا يلقاه أحد إلإ أكرمه وعرف له منزلته ، ومشى في حاجته , مشهود له بالفضل والصلاح بين من عاصروه ، وكل من عرفه ، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا. وقد كان شيخنا ووالدنا الشيخ سيدي المختار ولد شعيب رحمه الله تعالى ( ددار ) يثني عليه كثيرا ، ويعجبه في أمر دينه ، وطريقته في زهده في الدنيا ، والبعد عما يخوض فيه الناس ، مما لاضرورة في الخوض فيه ، وعدم السؤال عن ذلك ، ولما توفي حزن عليه حزنا شديدا ، وأثنى عليه بكل خير وفضل ، ولا عجب فإنما يعرف الفضل من الناس ذووه. كما كان شيخنا ووالدنا خيرفين ولد سيدي محمد ولد ديده رحمه الله تعالى يثني عليه ، ولا يذكره باسمه المجرد احتراما له ، بل يسميه ( الشيخ محمد المجتبى ) ويصفه بالورع وحسن العبادة وعفة اللسان والصلاح. وكذلك كان الثناء عليه من جميع معارفه وأقرانه من بُناة حاسي الطين الأوائل الذين كانوا يجلونه ويكرمونه ويزورونه ، من أمثال شيخنا: سيدي محمد ولد صالح ( حَمَّ) , والكبير ولد الخاليفة ( الدَّم ) بتفخبم الميم , والسالم ولد الطالب ولد أحمد الأمين ( إنَّه) , وعبد الله ولد خدار ( بيَّه) ومحمد محمود ولد الهادي ( منَّه ) ، وغيرهم من ذلك الرعيل الأول والجيل المبارك ، رحم الله من مات منهم. لقد كان الوالد رحمه الله كريما مضيافا ، وخاصة لمن يتوسم فيهم الخير والصلاح حتى أنه كان غالبا ما يأتي بضيف من المسجد ، ويوصي بإكرامه وأحيانا يقطع خلوته ، ويأتي من المسجد قبل الشروق ـ على غير عادته ـ ليقضي حاجة لشخص قصده لذلك ، أو علم هو أنه بحاجة إلى شيئ مما بيده. وكان سالكا الطريق الأحوط لدينه ، آخذا بالعزيمة ، محبا لدراسة العلم وسماعه محافظا على الصلاة في أول وقتها ، مستغلا بياض النهار في المطالعة لكتبة وخاصة شرح رسالة محمد ابن أبيي زيد القيرواني لأحمد بن سالم النفراوي , ومختصر عبد الرحمن الأخضري في الفقه ، وكان يقول:( الذي يعرف الرسالة ماتقلبُ امسالة ) ويتمثل بقول الناظم: ومن علامة الجهل بهذا الجيل *** ترك الرسالة إلى خليل. وترك لخضري إلى ابن عاشر *** وترك هاذين لهاذين احذر. ومن مراجه المفضلة أيضا: كتاب الرارية ، وكتاب الروض المربع شرح زاد المستقنع , وهو مرجع حنبلي , لكن كان يحبه لما فيه من فقه الدليل. ورغم أنه كان يرى أن لكل أهل بلد رؤيتهم ( وهو مذهب العديد من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ، كابن عباس وغيره كما جاء في حديث كريب الصحيح ) إلا أنه كان يحرص على الصلاة مع الناس ، ومشاركتهم فرحة: عيد الفطر وعيد الأضحى رعيا للخلاف , وخوفا من الإختلاف. أخذ الوالد رحمه اللله تعالى علم السلوك ( التصوف ) في بداية حياته , وكان متأثرا في ذلك بوالده , لكنه بعد ذلك مال إلى تأصيله وتنقيته من كل الشوائب , وعرضه على الكتاب والسنة فما وافقهما أخذه ومالم يوافق تركه ، حتى كان تصوفه من قبيل ما يسميه الإمام بداه ولد البصيري رحمه الله تعالى التصوف ( انڭي ) أي المنقى من كل الشوائب والإنحرافات السلوكية والعقدية. ظلت العبادة هي شغله الشاغل طَوال حياته: صلاة وقيام وذكر وصيام , ودعاء وتضرع بابتهال وخشوع ، لكنه آخر حياته تملكت العبادة عليه قلبه وتكنفت جوارحه فانصرف إليها متمحضا لها , لا يشغله عنها شيئ مهما كان , وذلك حين لم تكن عليه حقوق في مؤنة عيال , فترك الخلق واشتغل بالخالق , فلزم محرابه لا يعتني إلا بسبحته ومطهرته حتى أتاه اليقين وهو على تلك الحال. أصيب الوالد في آخر حياته بمرض أقعده ، وكان على طريق أهل السلف الأماجد في الزهد في العلاج , ليس لعدم جوازه عنده ولكن لإيثار أجر الصبر على الإبتلاء فلا يتشكى ، ولا يتسخط ، بل ولا يشعر أحد أنه مريض ، راضيا بقضاء الله تعالى وقدره ، مطمئنا أن الخير فيما اختاره الله ، و( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ). وهكذا ظل صابرا محتسبا حتى أسلم الروح لباريها في سنة ( 2007م) وصُلي عليه ودفن في مقبرة احسي الطين ، بجانب والدته التي كان يبرها ويدعو لها في صلاته وقد خلف ثلاثة أبناء وثلاث بنات. رحم الله الوالد الزاهد العابد السُّني السَّني ، صاحب المقامات والسلوك ، ورزقنا بره في حياته ، وبعد مماته ، وصلة أهل مودته ، فإنه من أعظم أنواع البر ، فلقد تركت وفاته فراغا لا يُسد في القلوب والنفوس وفي المحارب ، وخلوات العباد ، وزوايا الزهاد فبكاه موضع سجوده ، وحزن الناس لفقده ، ولكن عزاؤنا فيه أنه ذهب لدار كرس حياته لبنائها. أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعله في الفردوس الأعلا من الجنة ( مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّـٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُولَـٰۤئِكَ رَفِيقًا ). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. كتبه / الطالب ولد المجتبى.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قبيلة لقلال ... في سطور

أولاد سيد بوبكر المعروفين محليا ب"شرفاء لقلال

نبذة مؤجزة عن قبيلة الاقلال